من لم يكن له شيخ فالشيطان شيخه
صفحة 1 من اصل 1
من لم يكن له شيخ فالشيطان شيخه
كتب أحد القراء يسأل عن قولهم "من لم يكن له شيخ فالشيطان شيخه" و ما نصيبه من الصحة ؟ و لحرصنا على إجابة طلبات القراء نجيب هذا الأخ بما يلي:
يُخَيَّل إليَّ- أيها الأخ- أن الطريق إلى الله قد سُدّت في وجهك فأردت اصطحاب دليل يهديك السبيل.
فأعلم -أيها الأخ- أن الطريق إلى الله لا تخفى على أحد كما يقولون و الله تعالى يقول ( أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ ، وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ ، وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ) ؟ لأنه- تعالى- أرحم بنا من قطع صلته بنا إلا بواسطة، و كيف و هو يقول وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوَرِيدِ ) و إن دين الإسلام لمَِن اليسر و البساطة والوضوح بحيث لا يحوجنا إلى هذا الشيخ المفروض عليه ،و المحمول على الناس ، كما حمُِل على المسيحية وسطاء من الرهبان يهبون الغفران ، وإذا كان لابد من شيخ فشيخ العلم الذي يزودك بحسن الفهم ، ويزيل عن قلبك حجب الوهم ، وران الإثم ، و يقيم عقيدتك ، على الأساس الصحيح من النظر السديد و يعصمك من الزيغ و الضلال ، و يحميك من الإلحاد و الحلول ، و يحول بينك و بين الاتجاهات المنحرفة و التيارات المختلفة ، ثم يقيم على هذا الأساس الصحيح ، وثيق البناء من حسن السلوك و السيرة و الخلق ، و يوضح لك الفروق ،بين الحلال والحرام ، و الحسنة و السيئة، و الطاعة و المعصية،و السنة و البدعة،و الفضيلة و الرذيلة.
إن كان هذا الشيخ هو المراد فإن الإسلام لا ينكره بل إن المسلمين اليوم لفي حاجة شديدة ملحة إلى مثل هذا الموجه الكفء الذي يأخذ بزمامهم إلى الغرض النبيل ،في أقوم سبيل ،و يعيد إليهم عهدا كان في مخيلة البشرية حلما من الأحلام ، فحققه الإسلام ، أما هذا الشيخ الذي يفرض على كل إنسان ، و إلا تسلم زمامه الشيطان ، فهذا مما لا نعرفه في كتاب الله ، و لا سنة رسول الله و لا سنة خلفائه الراشدين و لا في أقوال الأئمة المجتهدين.
و إن الشيطان لا يدخل قلبا يعمره الإيمان بالله ، و الالتجاء إلى الله ، و إنما يدخل القلوب الخربة من الإيمان الخاضعة لهوى النفس و إرادة الشيطان : ( إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُون ، إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ )، (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الغَاوِينَ ). نعم إن قولهم :من لم يكن له شيخ فالشيطان شيخه ، ليس بآية ولا بحديث و إنما هو قول بعض مشايخ الطرق المتأخرين لعلهم أرادوا به توجيه الأنظار إلى دعوتهم و تكوين الأتباع و الأنصار لها ، أو قيل في وقت جف فيه معين العلم و قل علماء الدين و خيف على الحاسة الدينية أن تنعدم ، أو قيل في جماعة خاصة ركبت رأسها و تمردت على نظام بيئتها فأريد ضبطها بهذه الطريقة تحت تصرف قائل هذه الكلمة الذي لا بد أن يكون قد عرف بالصلاح و التقوى و سداد الرأي .
ذلك لأننا إذا رجعنا إلى كتاب الله الذي هو المورد الأصيل للتشريع نجد أن الله لم يأمرنا بطاعة أحد من خلقه و إنما أمرنا بطاعة رسوله فقط التي ليست إلا طاعة لله إذ قال : (مَن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ) حتى أبوينا لم يقل لنا : أطيعهما ، و إنما أمرنا بالإحسان إليهما إذ قال : (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانا) و إذ قال :" (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً). وحتى طاعة أولي الأمر في قوله تعالى:
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ) ، إنما يقصد بها طاعة الله ، لأن إمام المسلمين مكلف بتنفيذ شريعة الله ، و إلا فلا تلزم طاعته كما قال أبو بكر بعد مبايعته بالخلافة : " أطيعوني ما أطعت الله و رسوله فإن عصيت الله و رسوله فلا طاعة لي عليكم "، و هذا هو السر في إضافة قوله : "منكم" ، إلى أولي الأمر أي أن
الطاعة لأولي الأمر مقيدة بأن يكونوا من المسلمين عملا ، لا نسبة ، لتكون طاعتهم لله و إنما أمر الناس أن يسألوا عما جهلوا إذ قال : (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) و أمر العلماء أن لا يكتموا ما علمهم الله ، و كتب اللعنة على من كتم ما أنزل الله إذ قال إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ البَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ ) ، و رغب في هداية الناس على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم القائل : " « لأنْ يَهْدِيَ اللّهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِداً خَيْرٌ لكَ مِنْ حُمْر النَعَمِ »، و القائل :« الدَّالُّ عَلَى الخَيْرِ كَفَاعِلِهِ » ، بل جعل الدعوة إلى الله و قيادة الناس إلى ساحل النجاة وظيفة للعلماء و رثة الأنبياء ، إذ قال : ( ... فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ) ، و جعل الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر شعار هذه الأمة إذ قال كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ) فلم يذكر بعد الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر إلا اللإمان بالله.
و إن الله – بعد هذا كله – قد ربط بين المسلمين جميعا برباط الأخوة الدينية و لم يربط بينهم بسيادة بعضهم على بعض ، إذ قال إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ) بل أن الإسلام يذهب أبعد من ذلك فيجعل السيادة للخادم لا للمخدوم إذ يقول صلى الله عليه و سلم " سيد القوم خادمهم" [1].
و نحن – بعد هذا – نؤيد كل داع إلى الله على بصيرة بالمنهج الديني المشروع : قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ " .
* مجلة البصائر عدد:297 سنة 1374هـ /1954م
يُخَيَّل إليَّ- أيها الأخ- أن الطريق إلى الله قد سُدّت في وجهك فأردت اصطحاب دليل يهديك السبيل.
فأعلم -أيها الأخ- أن الطريق إلى الله لا تخفى على أحد كما يقولون و الله تعالى يقول ( أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ ، وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ ، وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ) ؟ لأنه- تعالى- أرحم بنا من قطع صلته بنا إلا بواسطة، و كيف و هو يقول وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوَرِيدِ ) و إن دين الإسلام لمَِن اليسر و البساطة والوضوح بحيث لا يحوجنا إلى هذا الشيخ المفروض عليه ،و المحمول على الناس ، كما حمُِل على المسيحية وسطاء من الرهبان يهبون الغفران ، وإذا كان لابد من شيخ فشيخ العلم الذي يزودك بحسن الفهم ، ويزيل عن قلبك حجب الوهم ، وران الإثم ، و يقيم عقيدتك ، على الأساس الصحيح من النظر السديد و يعصمك من الزيغ و الضلال ، و يحميك من الإلحاد و الحلول ، و يحول بينك و بين الاتجاهات المنحرفة و التيارات المختلفة ، ثم يقيم على هذا الأساس الصحيح ، وثيق البناء من حسن السلوك و السيرة و الخلق ، و يوضح لك الفروق ،بين الحلال والحرام ، و الحسنة و السيئة، و الطاعة و المعصية،و السنة و البدعة،و الفضيلة و الرذيلة.
إن كان هذا الشيخ هو المراد فإن الإسلام لا ينكره بل إن المسلمين اليوم لفي حاجة شديدة ملحة إلى مثل هذا الموجه الكفء الذي يأخذ بزمامهم إلى الغرض النبيل ،في أقوم سبيل ،و يعيد إليهم عهدا كان في مخيلة البشرية حلما من الأحلام ، فحققه الإسلام ، أما هذا الشيخ الذي يفرض على كل إنسان ، و إلا تسلم زمامه الشيطان ، فهذا مما لا نعرفه في كتاب الله ، و لا سنة رسول الله و لا سنة خلفائه الراشدين و لا في أقوال الأئمة المجتهدين.
و إن الشيطان لا يدخل قلبا يعمره الإيمان بالله ، و الالتجاء إلى الله ، و إنما يدخل القلوب الخربة من الإيمان الخاضعة لهوى النفس و إرادة الشيطان : ( إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُون ، إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ )، (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الغَاوِينَ ). نعم إن قولهم :من لم يكن له شيخ فالشيطان شيخه ، ليس بآية ولا بحديث و إنما هو قول بعض مشايخ الطرق المتأخرين لعلهم أرادوا به توجيه الأنظار إلى دعوتهم و تكوين الأتباع و الأنصار لها ، أو قيل في وقت جف فيه معين العلم و قل علماء الدين و خيف على الحاسة الدينية أن تنعدم ، أو قيل في جماعة خاصة ركبت رأسها و تمردت على نظام بيئتها فأريد ضبطها بهذه الطريقة تحت تصرف قائل هذه الكلمة الذي لا بد أن يكون قد عرف بالصلاح و التقوى و سداد الرأي .
ذلك لأننا إذا رجعنا إلى كتاب الله الذي هو المورد الأصيل للتشريع نجد أن الله لم يأمرنا بطاعة أحد من خلقه و إنما أمرنا بطاعة رسوله فقط التي ليست إلا طاعة لله إذ قال : (مَن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ) حتى أبوينا لم يقل لنا : أطيعهما ، و إنما أمرنا بالإحسان إليهما إذ قال : (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانا) و إذ قال :" (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً). وحتى طاعة أولي الأمر في قوله تعالى:
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ) ، إنما يقصد بها طاعة الله ، لأن إمام المسلمين مكلف بتنفيذ شريعة الله ، و إلا فلا تلزم طاعته كما قال أبو بكر بعد مبايعته بالخلافة : " أطيعوني ما أطعت الله و رسوله فإن عصيت الله و رسوله فلا طاعة لي عليكم "، و هذا هو السر في إضافة قوله : "منكم" ، إلى أولي الأمر أي أن
الطاعة لأولي الأمر مقيدة بأن يكونوا من المسلمين عملا ، لا نسبة ، لتكون طاعتهم لله و إنما أمر الناس أن يسألوا عما جهلوا إذ قال : (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) و أمر العلماء أن لا يكتموا ما علمهم الله ، و كتب اللعنة على من كتم ما أنزل الله إذ قال إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ البَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ ) ، و رغب في هداية الناس على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم القائل : " « لأنْ يَهْدِيَ اللّهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِداً خَيْرٌ لكَ مِنْ حُمْر النَعَمِ »، و القائل :« الدَّالُّ عَلَى الخَيْرِ كَفَاعِلِهِ » ، بل جعل الدعوة إلى الله و قيادة الناس إلى ساحل النجاة وظيفة للعلماء و رثة الأنبياء ، إذ قال : ( ... فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ) ، و جعل الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر شعار هذه الأمة إذ قال كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ) فلم يذكر بعد الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر إلا اللإمان بالله.
و إن الله – بعد هذا كله – قد ربط بين المسلمين جميعا برباط الأخوة الدينية و لم يربط بينهم بسيادة بعضهم على بعض ، إذ قال إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ) بل أن الإسلام يذهب أبعد من ذلك فيجعل السيادة للخادم لا للمخدوم إذ يقول صلى الله عليه و سلم " سيد القوم خادمهم" [1].
و نحن – بعد هذا – نؤيد كل داع إلى الله على بصيرة بالمنهج الديني المشروع : قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ " .
* مجلة البصائر عدد:297 سنة 1374هـ /1954م
مينوشة- الجنس : نقاط : 51
عدد المساهمات : 27
تاريخ التسجيل : 20/07/2010
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى